ادعمنا

الثورة الملونة - The Coloured Revolution

عبر مر العصور، اتخذت الشعوب وسائل عديدة للتعبير عن آرائهم السياسية بغية ضمان حرية التعبير وحق تقرير المصير. وتتباين هذه الطرق تبعاً لطبيعة النظام السياسي ومدى تجاوب السلطة للمطالب التي يطمح الشعب الحصول عليها. وقد يتم اللجوء إلى الثورة للاعتقاد بأنها الوسيلة الأفضل لتغيير النظام برمته واستبداله بآخر ليكون متلائم مع تطلعات وآمال الشعوب. وغالباً ما اتسمت التحركات بالعنف لمحاولة التغيير السياسي، وهذا لاعتبار قياداتها أنها الأسلوب الوحيد الذي يُسهل الوصول لأهدافهم. ولكن خلال العقدين الأخيرين، طغى مصطلح "الثورة الملونة" على ألسنة المحللين والمفكرين وعلى كتابات مراكز الأبحاث والمواقع الإخبارية. وكأن نعت "الملونة" للمنعوت "الثورة" يبدو غريباً إذ نتوقع أنها أقرب للسلمية، حيث اعتدنا على صفات أخرى للثورة تتمثل بالعنيفة وغيرها... فما المقصود بالثورة الملونة وما هي أبرز مميزاتها؟ 

 

تعريف الثورة الملونة

قد تمّ تعريف كل من "الثورة" و "الملونة" معجمياً، تبعاً للتالي:

الثورة: تبعاً لمعجم الكافي، فإنّ الثورة "مصدر ثار: - الهياج ضد السلطة أو ضد الظلم... -: الهيجان والشغب. الثوري: الثائر المتمرّد... المنسوب إلى الثور أو الثورة.  وبالاستناد إلى المعجم العربي الأساسي، فتعرّف الثورة كالتالي: "١ مصدر ثار، ٢ جمع ثوراتٌ: اندفاع عنيفٌ نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تغييراً أساسياً 'تعددت الثورات في العالم ضد التسلط والظلم، ويقال 'ثورة شعبية'، 'ثورة أهلية'، ٣ تحول أو تغيير أساسي في جانب من جوانب الحياة الاجتماعية والفكرية أو الصناعية ونحوها. 'حققت أوروبا تقدماً عظيماً بفضل ثورتها الصناعية'، وتدعى الثورة مسلحة إذا اعتمدت السلاح وسيلة للتغيير، أو سلمية إذا تمت وحققت أغراضها دون سلاح أو إراقة دماء."

الملونة: وترجع إلى أصل الفعل لَون؛ فتبعاً للمعجم الوسيط إن اللّوْنُ: "صفة الجسم من السواد والبياض والحمرة وما في هذا الباب. واللون الأولي: أحد أقسام الطيف الأصلية (مج). (ج) ألوان. و- النوعُ. يقال: أتى بألوانٍ من الحديث والطعام، وتناوَل كذا وكذا لوناً من الطعام"

 

مفهوم الثورة الملوّنة

إنّ مفهوم الثورة الملونة حديث بالمقارنة مع المفاهيم الأخرى، إلا أنها اتضحت معالمها وتطورت مضامينها من خلال  المفكرين الذين بحثوا باللاعنف. وهي تترادف من حيث فكرتها مع الثورة السلمية والثورة المخملية. وقبل الحديث عن هذا الأمر بالتفصيل علينا أولاً تعريف الثورة الملونة. 

يعرفها بافيل باييف- Pavel Baev على أنها "احتجاجات جماهيرية غير عنيفة تسعى إلى تغيير الحكومات الشبه الديمقراطية القائمة من خلال الانتخابات." في حين يُعرّف كُلاً من أندرو ررادي-Andrew Radin وكلينت ريتش-Klint Reach  الثورات الملونة على أنها بعد "نهاية الحرب الباردة، أدت سلسلة من الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية والمؤيدة للغرب إلى تغييرات في الحكومة في دول الاتحاد السوفياتي السابق؛ وقد تمت الإشارة إليها باسم الثورات الملونة." وتعرّف ليلى نقولا الثورات الملونة على أنها "مصطلح يطلق على أعمال التحركات والتظاهرات الشبابية المطلبية المنظمة التي يحمل فيها المتظاهرون أعلاماً وشارات ذات لون مميز تُعرف به، على أن لا تُستعمل فيها الأسلحة، فالذي يميزها عن غيرها أنها سلمية."

 

تطوّر مفهوم الثورة الملونة

تعزز مفهوم الثورات الملونة من خلال أفكار بعض الباحثين الذين بحثوا بالوسائل اللاعنفية لتأثير الشعب على النظام وتغييره، ولعلّ أبرزهم جين شارب- Gene Sharp الذي درس اللاعنف من خلال 198 وسيلة بمثابة نصائح للثوار. كذلك جورج سوروس-George Soros  الذي ساهم من خلال مؤسساته على دعم هذه الوسائل اللاعنفية.

- جين شارب

 تطور مفهوم الثورة الملونة من خلال أفكار جين شارب الذي يعتبر أنّ تغيير الأنظمة الديكتاتورية من خلال العنف، لا يُمكّن الشعوب من الوصول إلى أهدافهم لأنه يستنزف طاقاتهم دون جدوى. لذا قد اختصر دراسته للتحركات والثورات من خلال كتابه "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية" الذي صدر في العام 1994. فيقول في هذا الصدد "خيار استخدام العنف مهما كانت حسناته يعكس بوضوح أمراً واحداً وهو أن اللجوء إلى وضع الثقة في أساليب العنف يعني استخدام أسلوب للنضال يتميز الطغاة دائماً بالتفوق فيه." فهو ينبه الشعب من التسرع بالقيام بثورة عنيفة لكي لا يتحولوا لضحايا معتبراً أن "الضحايا الغاضبون ينظمون صفوفهم لمحاربة ممارسات الأنظمة الديكتاتورية الوحشية مستخدمين ما أتيح لهم من عنف ومن قدرات عسكرية بالرغم من ضعف فرص النجاح ويقاتلون بشجاعة ويدفعون ثمناً باهظاً من المعاناة والأرواح، ويحققون إنجازات مميزة ولكن قليلاً ما أحدت أعمالهم إلى الحصول على الحرية، لأن الثورات العنيفة غالباً ما تواجه بممارسات قمع وحشية تقتل ما تبقى من أمل لدى الناس."

- جورج سوروس

وقد رأى جورج سوروس من خلال اطلاعه ودراسته لتحركات الشعوب أنّ اللاعنف هو الطريقة الأفضل للوصول إلى الأهداف المرجوة. فهو من أهم الداعمين والمشجعين على الثورات اللاعنفية والسلمية منطلقاً من مبادئ نقل الديمقراطية للعالم ونشر الحريات. فيصرح بشكل علني عن لعب مؤسساته في تحريك وتعبئة المجتمع المدني والتغيير نحو الحكومات الديمقراطية. فيقول: "إنني أقود مؤسساتي بموجب هذه المبادئ وأنا أنصب مجلساً محلياً يعتمد على مواطنين مكرسين للمجتمع المنفتح وأوجه دعمي وتأييدي عبر مؤسساتي ونحن نتكفل بإنشاء مجلس يتحمل مسؤولية قرارته الخاصة ليتمكن من العمل مع الحكومات المنفتحة فإذا لم نستطع العمل مع الحكومة يقتصر دعمنا للمجتمع المدني، ونحاول إيقاف التدخل الحكومي مع أن العمل مع الحكومة يكون أكثر إنتاجية، رغم أن التعامل مع الدول التي تكون حكوماتها عدائية يمكن تبديلها لتصبح كفوءة ومنتجة، ففي مثل هذه الدول يهمنا أن ندعم المجتمع المدني لإبقاء شعلة الحرية حيّة قادرة على التدخل الحكومي. يمكن لمؤسساتي أن تحذر الشعب بأن الحكومة تسيء استعمال سلطتها."

 

الوسائل اللاعنفية لتغيير النظام الديكتاتوري 

تبعاً لجين شارب، هناك مجموعة من الوسائل اللاعنفية لتغيير النظام الديكتاتوري تتمثل بالتصريحات الرسمية التي تعبر عن آراء المواطنين، مخاطبة الجماهير العريضة، احتجاجات جماعية، أعمال رمزية عامة مثل رفع الأعلام وعرض الألوان الرمزية، المسرح والموسيقى وغيرها... ويعتبر نجاح هذه الوسائل والأساليب مرتبط بمجموعة من العوامل التي يجب العمل عليها لإسقاط النظام الديكتاتوري بنجاح وبأقل تكاليف ممكنة وهي تتجلى فيما يلي:

- العمل على تعزيز التصميم والعزيمة والثقة بالنفس ومهارات المقاومة لدى الشعوب المضطهدة. أي أنّ الأمر مرتبط بإرادة الشعب، فيستشهد ضمن كتابة من "الديكتاتورية إلى الديمقراطية" بقول تشارلز ستيورات بارنيل- Charles Stewart Parnell خلال إضرابه في إيرلندا عن دفع الأجور بين عامي 1879 وعام 1880 قوله: "لا يفيد الاعتماد على الحكومة... عليكم الاعتماد فقط على عزيمتكم... ساعدوا أنفسكم من خلال وقوفكم معاً... امنحوا ضعفاءكم القوة... توحدوا ونظموا صفوفكم... لكي تنتصروا..."

- الحث على تعزيز الجماعات والمؤسسات الاجتماعية المستقلة الخاصة بالشعوب المضطهدة. وهذا العامل مرتبط بمدى توحد الشعب لتشكيل جماعات تساعدهم على تحقيق هدفهم الأساسي. 

- السعي إلى خلق قوة مقاومة داخلية قوية. وهنا يحث على فهم المشتركين بهذه المقاومة طبيعة كفاح اللاعنف ومتطلباته من أجل ضمان الفعالية القصوى التي تمكنهم من العمل بشجاع دون الرضوخ للقمع، مما يجعلهم قادرين على الحفاظ فيما بعد على نظام بلا عنف. 

- العمل على وضع خطة تحرر استراتيجية حكيمة ومتكاملة وتنفيذها بمهارة. ويقول في هذا الصدد "من المهم تخطيط استراتيجية في كيف يمكن تحقيق التغيير عن طريق كفاح اللاعنف. سيجعل هذا من الممكن التقاط أشكال معينة من العمل وأهداف صغيرة ومحددة باشتراك نشاطات بعض الناس أو جميعهم في أوقات وأماكن معينة. أي بمعنى آخر التخطيط الاستراتيجي والمرحلي ضروريان إذا كان للعمل أن يحقق أكبر قدر من التأثير. 

 

تداعيات اختيار الوسائل اللاعنفية

فهناك العديد من المفكرين قد كان لهم من قبل آراء متقاربة حول خيار اللاعنف. فقد تم تعريف اللاعنف من قبل جان ماري مولر بأنها "ضرب من ضروب الوعي الاجتماعي والثقافي الذي يجعل الفرد يعترف بحقه وحق الآخرين عليه. ومثل هذا الاعتراف هو الذي يقدح شرارة اللاعنف التي تضع حداً للاستغلال والاحتكار والنزاع والحرب." فالعديد من المفكرين شجعوا على اللاعنف لكي يحقق الشعب أهدافه بأقل خسائر ممكنة مستشهدين بالتجربة البولندية التي اختارت فيها حركة التضامن أبرز الأساليب اللاعنفية المتمثلة بالإضرابات والمظاهرات والأعمال الرمزية لمقاومة النظام الشيوعي. لذلك الداعمين لخيار العنف يعتبرون أنّ "الطرق السلمية ليست نوعاً من العزوف عن الفعل، إنها، بدلاً من ذلك، مناهج بالغة القوة قادرة على التحلي بفعالية استثنائية، ولكنها تتجنب الأذى وإراقة الدماء، مع فوزها بمزيد من السلطة والمرجعية الأخلاقيتين المعنويتين مكافأة على نبذها العنف." وقد كانت الثورات الملونة للذين قاموا بها بمثابة وسيلة وخيار من خيارات اللاعنف لتغيير النظام. وقد تم تحديد مجموعة من العوامل التي أدت لنجاحها في الدول التي قامت بها والتي تساعد بشكل عام بنجاحها عند التفكير بالقيام بها.

 

عوامل نجاح الثورات الملونة

لقد عمل مايكل ماكفول على التعمق بتجارب الثورات الملونة واستنتج مجموعة من العوامل التي تساعد في نجاحها، وهي تتمثل بالتالي:  "1- نظام شبه أوتوقراطي وليس أوتوقراطي بالكامل. ٢- نظام لا يحظى بشعبية. ٣- معارضة منظمة ومتحدة. ٤- القدرة على الإعلان فوراً أنه تم تزوير نتائج التصويت. ٥- جهوزية وسائل الإعلام المستقلة الكافية لإبلاغ المواطنين بالتزوير. ٦- معارضة سياسية قادرة على تعبئة عشرات الآلاف أو الأكثر من المتظاهرين للاحتجاج على تزوير الانتخابات. ٧- انقسامات بين القوى القمعية للنظام."

- قد أوضح مقصده حول العامل الأول، معتبراً أنّ الأوتوقراطية ستصل إلى مرحلة زوال وهذا ما أكد عليه حتى جين شارب في كتابه "الدكتاتورية إلى الديمقراطية" حيث ذكر فيه "قال أرسطو منذ زمن بعيد: 'تُعَمِر أنظمة حكم الأقلية والأنظمة الاستبدادية إلى فترة أقل من غيرها من الأنظمة الأخرى... فالاستبداد قليل ما يُعمر. 'وهذا ما ينطبق على الأنظمة الديكتاتورية المعاصرة، حيث يمكن أن نحول نقاط ضعفها إلى أزمات وأن نفكك قوّة الحكام الديكتاتوريين." ويعتبر مايكل ماكفول- Micheal McFaul أن إذا كان النظام شبه أوتوقراطي هو أسهل لتحقيق نجاح الثورة، لسبب أن هذا النظام رغم تعسفه في استخدام سلطته، إلا أنه يعطي حرية بسيطة يمكن استغلاها للقيام بأعمال ضده.

- كذلك أوضح مقصده حول العامل الثاني أي عن شعبية الحاكم، فاعتبر أنه عامل ضروري لإسقاط حاكم النظام. فتجربة الثورات الملونة أثبتت ضرورة تقليص شعبية الحاكم للتمكن من إسقاطه، وهذا الأمر أيضاً قد أشار إليه جين شارب بقوله: "المبدأ هنا بسيط فالحكام الديكتاتوريين بحاجة إلى مساعدة الشعب الذي يحكمونه حيث إنه دون هذه المساعدة لا يستطيعون تأمين والحفاظ على مصادر القوة الأساسية." أي أن الشعب يوفر مصادر القوة للحاكم من خلال السلطة المتمثلة بإطاعته، وتأمين المهارات والمعرفة ليتمكن النظام من أداء أعماله...

- والعوامل الأخرى واضحة، فيعتبر أنّ تشكيل واتحاد المعارضة ضروري وبالأخص قبل الانتخابات كما حدث في التجارب السابقة للثورات الملونة التي سنتحدث عنها. والعامل الرابع يتجلى بتوفير قدرات رقابية للانتخابات مستقلة مثل قيام الجمعيات بهذه المسؤولية. أما العامل الخامس يرتكز على تسليط وسائل الإعلام الضوء على تزوير نتائج الانتخابات وتبيان قمع السلطة للمتظاهرين، كذلك دور وسائل التواصل الاجتماعي والهاتف في الثورات. والعامل السادس يتجلى بحشد المتظاهرين، وهذا من خلال الأحزاب المعارضة والمنظمات غير الحكومية. كما العامل الأخير يقتضي الانشقاق بين رجال القوة المسلحة أي جيش الدولة شرطتها وقواتها الأمنية.

 

نماذج الثورة الملونة

- الثورة الوردية: وهي الثورة التي حدثت في جورجيا، وقد أُطلق عليها الثورة الوردية لاستخدام المتظاهرين فيها الورود وسيلة للتعبير عن سلمية ثورتهم وعدم الرغبة باستخدام العنف. وقعت في العام 2003، إثر الاحتجاجات التي بدأت من العاصمة "تبليسي" وانتشرت في عدد من المدن للاعتراض على نتيجة الانتخابات النيابية التي جرت حيث تم تصنيفها بغير العادلة من قبل مراقبين دوليين. وقد كان دور كبير لحركة "كمارا" بقيادة هذه الاحتجاجات، وكمارا كلمة باللغة الجورجية تعني "كفى" باللغة العربية. وبذلك قد نتج عنها الإطاحة بإدوارد شيفاردناردزه- Eduard Shevardnadze في العام 2004 والإتيان بميخائيل ساكاشفيلي- Mikheil Saakashvili. 

- الثورة البرتقالية: حدثت في أوكرانيا وأُطلِق عليها الثورة البرتقالية لِتبني المتظاهرون فيها الوشاح البرتقالي رمزاً لها تماشياً مع رموز التحركات اللاعنفية. وهو اللون الرسمي للحملة الانتخابية التي قادها المعارض "فيكتور يوشنكو-Viktor Yushchenko ". ففي أواخر شهر تشرين الثاني من العام 2004، خرج الشعب الأوكراني إلى ميدان الاستقلال في العاصمة الأوكرانية "كييف" التي كانت بمثابة النقطة المركزية لتحركات المحتجين، وذلك اعتراضاً على نتائج الانتخابات الرئاسية. وقد لعبت حركة "بورا" دوراً كبيراً في هذه الاحتجاجات؛ "بورا" تعني "لقد حان الوقت". فالنتائج جاءت لصالح فيكتور يانوكوفيتش-Victor Yanukovych وتم إعلان فوزه، فرفض المنافس والمعارض له يوشنكو نتيجة الانتخابات وقاد التحركات التي ذكرناها آنفا مع الشعب الذي رفض الاعتراف بالفوز، "وبوقف التدخل الروسي في شؤون البلاد، ومطالباً بمحاربة الفساد، والعمل عن إنشاء مؤسسات ديمقراطية تحقق آمال الشعب." ونتيجة الضغط الذي تم ممارسته من خلال هذه التحركات والاحتجاجات والإضراب، وتوحد المجتمع المدني، ودعم المنظمات وتسليط الإعلام على القضايا ووسائل التواصل الاجتماعي، استطاعت الثورة البرتقالية أن تحقق أهدافها بإلغاء نتيجة الانتخابات "وأُجريت دورة ثانية تحت مراقبة دولية وتغطية إعلامية الأمر الذي جعل منها قانونية ونزيهة، وفاز مرشح المعارضة فيكتور يوشينكو وأصبح الرئيس الثالث لأوكرانيا بعد انفصالها عن الاتحاد السوفياتي."

- ثورة التوليب: وقعت أحداث هذه الثورة في قيرغيزستان، وقد تم اعتماد التوليب أداة في التحركات التي قامت للتعبير عن السلمية في الاحتجاجات كما قذ ذكرنا سابقاً في حالتي جورجيا وأوكرانيا. اندلعت أحداثها في العام 2005 وذلك اعتراضاً على نتائج الانتخابات النيابية بدعم من حركة "كلكل"، اثر "تجاوزات شابت العملية الانتخابية، وفوراً تم الاعلان عن تحرك شعبي رافض للنتائج التي ظهرت في مقاطعات جنوب البلاد وغربها، وتشير الى تزوير كبير وإلى فوز غالبية مؤيدي نظام أكاييف." وقد نتج عنها مغادرة عسكر أكاييف-Askar Akayev  من البلاد ليعلن استقالته، فصعدت المعارضة برئاسة قرمان بك باكييف-Kurmanbek Bakiyev .  حيث خاض الانتخابات الرئاسية والتي نتج عنها انتخابه بشكل رسمي رئيساً للبلاد.

 

نقد الثورات الملونة

إنّ الثورات الملونة التي ذكرناها حدثت ضمن أوروبا الشرقية أي الدول التي كانت ضمن فلك الاتحاد السوفياتي سابقاً، هذا ما جعلها مرفوضة ومعارض عليها من قبل المحللين الروس. وتتجلى أبرز آرائهم فيما يلي:

- ألكسندر دوغين-Alexander Dugin : يعتبر ألكسندر دوغين أن هذه الثورات موجهة ضد النفوذ الروسي في المنطقة ولصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأن الشراكة الجيوبوليتيكية الروسية والصينية هي رد فعل لاحتدام هذه الثورات، فيقول: "حيث احتدمت بكل قوة عملية (الثورات الملونة) في جمهوريات الاتحاد السوفياتي. وظهر بجلاء التأثير الأمريكي في التطورات التي شهدتها جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزيا وأوزباكستان، وبات واضحاً أن الولايات المتحدة تعمل لإعادة تشكيل دول الاتحاد السوفياتي السابق خدمة لمصالحها الاستراتيجية."

- يلينا أوساتشوفا - Yelena Usachova: وتشير أيضاً إلى أنّ "الهدف الأساسي للثورات الملونة يمكن في تغيير أشخاص نظام الحكم وشريحة الحكم في بلد ما، وإبعاد الأشخاص التي لا تحظى بالرضا والتي تقتضي المصلحة إبعادها عن السلطة في مرحلة محددة، لأنها وفقاً لوجهة نظر مخططين للثورات الملونة لم تعد قادرة على القيام بالمهام الملقاة على عاتقها." وهذا لاعتبارها أن عند النظر إلى خريطة هذه الثورات، ترى أنها أحاطت عملياً بروسيا وأدت إلى إسقاط النظم الصديقة لموسكو بشكل أو بآخر. واعتبرت أنه هناك دول توجه هذه الثورات بالإضافة إلى الشركات المتعددة الجنسيات، فتشير إلى أنّ "إذا نظرنا إلى ميزانيات الشركات المتعددة الجنسيات، نجد أنها تزيد أضعاف عن ميزانيات عدة دول قائمة. وفي عالمنا يلعب المال دوراً في السياسة العالمية."

- ديمتري ترينين - Dmitri Trenin: وهو بدوره يؤكد دور هذه الثورات في محاولة الحد من النفوذ الروسي "قائلاً: 'على غرار توسيع حلف الناتو، أدت الثورات الملونة في جورجيا (2003)، وأوكرانيا (2004)، وقيرغيزستان (2005)، المهمة في نظر الغرب، لتوسيع مساحة الحرية والديمقراطية في العالم الشيوعي السابق. وعلى النقيض من ذلك، شكلت الانتفاضات، بالنسبة إلى الكرملين، تحدياً سياسياً لتغيير النظام في الداخل فوق التحدي الجغرافي السياسي المتمثل في الحد من نفوذ روسيا في خارج حدودها'."

لذا، فإنّ الثورات الملونة مثلها كمثل أي ظاهرة سياسية، لاقت الآراء المؤيدة والمعارضة لها. والحديث عن نجاحها أو لا يتطلب معرفة إن كانت تأثيراتها فعلاً على قدر آمال الشعوب التي قامت بها أم إن اقتصرت النتائج فقط على تغيير الرؤساء دون تغيير بأوضاع المواطنين على مختلف الصعد. فهل حققت أهدافها على المدى البعيد، وما كان مصير القيادات التي استلمت الحكم بعد قيامها؟ وإلى أي مدى نجحت الثورات الملونة في الدول الأخرى التي انتقلت إليها خارج نطاق أوروبا الشرقية؟

 

 

المصادر والمراجع:

محمد خليل باشا، الكافي عربي حديث، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، الطبعة الرابعة، بيروت، 1999.

المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المعجم العربي الأساسي، لاروس، غير محدد، 1988.

مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، دار الدعوة، الطبعة الرابعة، مصر، 2008.

جين شارب، كتاب من الدكتاتورية إلى الديمقراطية إطار تصوري للتحرر، ترجمة خالد عمر، دار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2009.

جورج سوروس، أوهام التفوق الأمريكي، ترجمة سمير مالك، دار الحمراء، بيروت، 2009.

جين شارب، المقاومة اللاعنفية دراسات في النضال بوسائل اللاعنف، ترجمة خالد عمر، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2011.

أحمد عبد الحكيم، وهشام مرسي، ووائل عادل، حرب اللاعنف الخيار الثالث، دار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، 2007.

كارن روس، الثورة بلا قيادات، ترجمة فاضل جكتر، عالم المعرفة، الكويت، 2017.

أندرو رادين، وكلينت ريتش ، وجهات النظر الروسية بشأن النظام الدولي، غير محدد، مؤسسة Rand، كاليفورنيا، 2017. 

ليلي نقولا، مقال بعنوان: الثورات الملونة: ما لها وما عليها، منشور عبر وكالة الشرق الأوسط الجديد، 31/8/2015، تاريخ آخر دخول: 10/1/2021 الساعة 08:10.

ريم المحب، أطروحة مقدمة لنيل درجة ماجستير بعنوان: دور المنظمات الحكومية في الربيع العربي، كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية، الجامعة اللبنانية، بيروت، 2018-2019.

محمد الحسيني، مقال بعنوان: "ثورة التوليب"، الثوار أطاحوا بالرئيس ثم اختلفوا، منشور عبر موقع أنباء بتاريخ 17/08/1011، تاريخ آخر دخول: 17/01/2021 الساعة: 17:30. 

ماهر القصير، المشروع الأورآسيوي من الإقليمية إلى الدولية، اي- كتب، الطبعة الثانية، لندن، 2017.

العربي،  RTالربيع العربي... وأسرار الثورات الملونة، الدقيقة: 4:51، فيديو منشور على موقع YouTube  بتاريخ 8/5/2013. 

Ieva Berzina, Color Revolutions: Democratization, Hidden Influence, or Warfare?, Center for Security and Strategic Research Woking Paper Series, Number 1, 2014, National Defense Academy of Latvia, Latvia.

Michael McFaul, TRANSITIONS FROM POSTCOMMUNISM, Journal of Democracy, Vol. 17, No.3, 2015, JOHNS HOPKINS UNIVERSITY PRESS, Washington.

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia